أعدّ هذا الكتاب وحرره الكاتب والباحث السوري لؤي حسين، وهو يتضمن المساهمات والمداخلات التي طرحت في مؤتمر «العلمانية في المشرق العربي» الذي عقد في دمشق بدعم وتمويل من المعهد الثقافي الدنماركي، في شهر ـ 2007م.
استمر المؤتمر ثلاثة أيام، وتضمن عدة جلسات شارك فيها مفكرون وباحثون عرب وأجانب حاولوا مناقشة عنوان المؤتمر «العلمانية في المشرق العربي»، وهو العنوان الذي أطلق، كذلك، على هذا الكتاب الصادر عن داري النشر: بترا وأطلس ، وهما الداران اللتان أشرفتا على المؤتمر المذكور.
وتنبع أهمية هذا الكتاب، بالدرجة الأولى، من أن مثل هذه المؤتمرات الفكرية لا تحظى، عادة، بالتغطية الإعلامية المناسبة، كما هو الحال، مثلا، بالنسبة للمهرجانات الفنية والدورات الرياضية وغيرها من المناسبات التي تقل أهمية عن المؤتمرات الفكرية، والتي يتهافت الإعلام إلى تغطية كل كبيرة وصغيرة فيها.
وبالنظر إلى هذا التقصير الإعلامي في مواكبة نشاط فكري وثقافي متميز، فإن توثيق أعمال مؤتمر «العلمانية في المشرق العربي»، وجمع المداخلات والمحاضرات التي ألقيت خلاله في كتاب، يشكل خطوة هامة يتيح للقارئ العربي، أينما كان، الاطلاع على فحوى تلك النقاشات القيمة، ومعرفة آراء باحثين بارزين في إشكالية معقدة ومثارة مثل العلمانية.
ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها لدى الحديث عن العلمانية، ولعل السؤال الرئيس يتمثل في معنى العلمانية وتعريفها، ومن ثم تتفرع الأسئلة: ما هي الضرورات التي تستوجب الدفاع عن العلمانية؟ وهل هي، حقاً، بدعة غربية ينبغي تجنبها لأنها، حسب بعض المناهضين للعلمانية، تتعارض مع خصوصيات مجتمعاتنا وقيمها الروحية؟
ومن هي القوى والفئات المتضررة منها، إن كان هناك من ضرر، ومن المستفيد منها؟ ومن هي القوى والجماعات المؤهلة للقيام بمهام العلمانية والنهوض بها؟ وهل ثمة تعارض بين العلمانية والدين؟ وما هي الآليات الناجعة لتطبيق مثل هذا المبدأ في المجتمعات العربية والإسلامية؟.
بالطبع لم تتمكن النقاشات والسجالات التي دارت في المؤتمر، والموثقة في هذا الكتاب، أن تقدم أجوبة حاسمة لهذه الأسئلة الشائكة، لكنها تمكنت من إثارة مختلف القضايا، وأضاءت الكثير من الجوانب الغامضة والمعقدة في موضوعة العلمانية، وسعت إلى كشف الملابسات التي تحيط بهذا المفهوم.
ولئن ابتعد المشاركون عن تقديم مقترحات نهائية في هذا الصدد إلا أنهم أجمعوا على ضرورة العمل لتكريس نظام حداثي متقدم في المجتمعات المشرقية تتيح لها اللحاق بالركب الحضاري السائر بوتائر عالية، وذلك عبر المواءمة بين الدين، كحاجة روحية، من جهة، وبين العلمانية، كحاجة حضارية، من جهة أخرى.
لعل الإشكالية الرئيسة في مسألة العلمانية تتمثل في أن المعارضين لها ينظرون إليها على أنها مفهوم مستورد من الغرب، والتالي فهي غير قابلة للتطبيق في مجتمعاتنا التي تتمتع بخصوصيات وإشكاليات وأسئلة تختلف عن تلك التي ظهرت في الغرب وحتمت ظهور مثل هذا المبدأ الذي يطالب، أساسا، بـ «فصل الدين عن الدولة»، وهنا يرد الباحث السوري وائل السواح «يفرض علينا المنطق السليم أن نعتبر المنجزات العلمية والحضارية التي أنجزها الغرب منذ عصر النهضة رزمة متكاملة، لا يمكن أن نكون انتقائيين حيالها».
والقصد من هذا الكلام هو «بما أننا نقبل بمفاهيم مثل الديمقراطية والعقلانية والمواطنة ونستخدم الإنترنت والكمبيوتر والسيارة والطائرة. وسواها، وهي كلها منجزات غربية، فلماذا نحارب العلمانية فقط بحجة أنها بدعة غربية، ويضيف السواح: «فإما أن نقبل هذه المنجزات جميعا وإما أن ننسجم مع أنفسنا ونرفضها جميعا، إذا كان المأخذ عليها غربيتها».
والطريف أن السواح يضيف هنا بان «حركة طالبان كانت أكثر انسجاما مع نفسها عندما رفضت الرزمة ككل تقريبا، فألغت المدارس، وألزمت النساء في البيوت، وألغت التلفزيون والسينما والمسرح والرسم والنحت والموسيقى، وعادت إلى نظام الكتاتيب».
الإشكالية الأخرى الهامة التي يتذرع بها خصوم العلمانية تتمثل في أن «العلمانية مطلب من مطالب الأقليات الدينية والطائفية في هذا المشرق»، ذلك أن العلمانية رأت النور في الغرب لتقدم جوابا على إشكال هو من إفراز الغرب المسيحي حصرا: الصراع اللاهوتي والسياسي، الذي أخذ شكل حرب متوالية الحلقات دامت ثلاثين عاما بين الغالبية الكاثوليكية والأقلية البروتستانتية.
وهذا ما يشير إليه، مثلا، المفكر المصري حسن حنفي قائلاً: «قام العلمانيون في بلادنا منذ شبلي شميل ويعقوب صروف وفرح انطون ونقولا حداد وسلامة موسى ولويس عوض وغيرهم يدعون إلى العلمانية بهذا المعنى الغربي، فصل الدين عن الدولة.
والملاحظ أنهم كلهم كانوا من النصارى، وغالبيتهم من نصارى الشام الذين كان ولاؤهم الحضاري للغرب، ولا ينتسبون إلى الإسلام دينا ولا حضارة». المفكر السوري جورج طرابيشي يتصدى بجرأة لمثل هذه الأفكار إذ يشير إلى مفكرين آخرين لم يكونوا من النصارى، بل كانوا علمانيين مسلمين بارزين من أمثال الكواكبي وقاسم أمين وأحمد لطفي السيد وعلي عبد الرازق وطه حسين وغيرهم.
ويرى طرابيشي بأنه إلى جانب التعددية الدينية، ثمة تعددية طائفية إسلامية، ومن هذا المنظور فان «قضية العلمانية في العالم العربي ليست فقط قضية مسيحية ـ إسلامية، كما يطيب لخصوم العلمانية تصويرها، بل هي أيضا، وربما أساسا، قضية إسلامية ـ إسلامية». ويستعرض طرابيشي تاريخ الصراع الطائفي الطويل في الإسلام وصولا إلى ما يجري في العراق اليوم من اقتتال طائفي، معتبرا أن العلمانية هي الحل.
لكن «لا يجوز النظر إليها كأيديولوجية خلاصية، فالعلمانية ليست ثمرة برسم القطف بل بذرة برسم الزرع. والعلمانية لن يكتب لها النجاح في العالم الإسلامي ما لم تقترن بثورة في العقليات». عاطف عطية يتحدث في مداخلته عن العلمانية بين سلطة الدولة وسلطة الدين ويخلص في كلمته إلى القول «هذا الانتقال الهادئ والمتأني من التحالف بين السلطتين الدينية والسياسية إلى استقلال الواحدة منهما عن الأخرى في شؤون الحياة اليومية، يعطي للسياسة الانفتاح الكامل لكل ما يتعلق بشؤون الدنيا دون تجاهل أو تجاوز الأمور الأخلاقية والروحية.
ويعطي للدين الاهتمام بالمسائل الأخلاقية والروحية دون تجاهل أو تجاوز الأمور السياسية باعتبارها شؤونا دنيوية يمكن ممارستها، وليس باعتبارها تكليفا شرعيا أو دعوة للحكم الإلهي». أما فحوى محاضرة المطران يوحنا إبراهيم فيختزل في المقولة المعروفة: «أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله».
ويتحدث يرغن نلسون في محاضرته عن العلمانية والتحديات الجديدة، بينما يقوم عزيز العظمة بجولة في أفق العلمانية وشأن الحضارة، في حين يقدم محمد حبش رؤية إسلامية للعلمانية، ويكمل جودت السعيد هذا المحور بالحديث عن العلمانية والدين في العالم وفي التاريخ. المفكر جان دايه يتحدث عن علمانيي بلاد الشام المسلمين في عصر النهضة، في حين يقدم إبراهيم الموسوي قراءة للعلمانية في الخطاب الإسلامي، وتحت عنوان «الوعي الشقي» يكتب محمد كامل الخطيب «لا أحد يستطيع التخلي عن منجزات هذا الغرب الآخر الملعون» فلنتمتع بها، وبما سخر لنا، ولنلعن صاحب هذه الأشياء المفيدة».
هذه المداخلات والنقاشات سعت إلى الإحاطة بمفهوم لم يزل يثير الكثير من الجدل في العالم العربي والإسلامي، فالعلمانية، كمفهوم وكمصطلح، لم تأخذ حقها من النقاش في الأدبيات العربية، ومن هنا فان كتابا من هذا النوع يسد جزءا من الفراغ الكبير، علاوة على ذلك فان المشاركين في المؤتمر، وكما يتبين من المحاضرات، لم يثقلوا مداخلاتهم بمصطلحات ومفاهيم معقدة بل أن لغتهم جاءت سهلة بسيطة لكي تتناسب مع طبيعة مؤتمر يحضره الجمهور من جميع الشرائح والمستويات الثقافية، ولابد كذلك من الإشارة إلى وجهات النظر المختلفة والمتباينة.
ومثل هذا الاختلاف هو الكفيل بإغناء الموضوع، إذ تتداخل الأصوات وتتكامل وتتخاصم وتتصارع. ولكنها، في نهاية المطاف، تطمح إلى تقديم صورة وافية عن مصطلح العلمانية التي تثير الكثير من النقاش مثلها مثل مفاهيم الديمقراطية والعقلانية والمواطنة وحقوق الإنسان والعولمة، وسواها.
ابراهيم حاج عبدي
أعدّ هذا الكتاب وحرره الكاتب والباحث السوري لؤي حسين، وهو يتضمن المساهمات والمداخلات التي طرحت في مؤتمر «العلمانية في المشرق العربي» الذي عقد في دمشق بدعم وتمويل من المعهد الثقافي الدنماركي، في شهر ـ 2007م.
استمر المؤتمر ثلاثة أيام، وتضمن عدة جلسات شارك فيها مفكرون وباحثون عرب وأجانب حاولوا مناقشة عنوان المؤتمر «العلمانية في المشرق العربي»، وهو العنوان الذي أطلق، كذلك، على هذا الكتاب الصادر عن داري النشر: بترا وأطلس ، وهما الداران اللتان أشرفتا على المؤتمر المذكور.
وتنبع أهمية هذا الكتاب، بالدرجة الأولى، من أن مثل هذه المؤتمرات الفكرية لا تحظى، عادة، بالتغطية الإعلامية المناسبة، كما هو الحال، مثلا، بالنسبة للمهرجانات الفنية والدورات الرياضية وغيرها من المناسبات التي تقل أهمية عن المؤتمرات الفكرية، والتي يتهافت الإعلام إلى تغطية كل كبيرة وصغيرة فيها.
وبالنظر إلى هذا التقصير الإعلامي في مواكبة نشاط فكري وثقافي متميز، فإن توثيق أعمال مؤتمر «العلمانية في المشرق العربي»، وجمع المداخلات والمحاضرات التي ألقيت خلاله في كتاب، يشكل خطوة هامة يتيح للقارئ العربي، أينما كان، الاطلاع على فحوى تلك النقاشات القيمة، ومعرفة آراء باحثين بارزين في إشكالية معقدة ومثارة مثل العلمانية.
ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها لدى الحديث عن العلمانية، ولعل السؤال الرئيس يتمثل في معنى العلمانية وتعريفها، ومن ثم تتفرع الأسئلة: ما هي الضرورات التي تستوجب الدفاع عن العلمانية؟ وهل هي، حقاً، بدعة غربية ينبغي تجنبها لأنها، حسب بعض المناهضين للعلمانية، تتعارض مع خصوصيات مجتمعاتنا وقيمها الروحية؟
ومن هي القوى والفئات المتضررة منها، إن كان هناك من ضرر، ومن المستفيد منها؟ ومن هي القوى والجماعات المؤهلة للقيام بمهام العلمانية والنهوض بها؟ وهل ثمة تعارض بين العلمانية والدين؟ وما هي الآليات الناجعة لتطبيق مثل هذا المبدأ في المجتمعات العربية والإسلامية؟.
بالطبع لم تتمكن النقاشات والسجالات التي دارت في المؤتمر، والموثقة في هذا الكتاب، أن تقدم أجوبة حاسمة لهذه الأسئلة الشائكة، لكنها تمكنت من إثارة مختلف القضايا، وأضاءت الكثير من الجوانب الغامضة والمعقدة في موضوعة العلمانية، وسعت إلى كشف الملابسات التي تحيط بهذا المفهوم.
ولئن ابتعد المشاركون عن تقديم مقترحات نهائية في هذا الصدد إلا أنهم أجمعوا على ضرورة العمل لتكريس نظام حداثي متقدم في المجتمعات المشرقية تتيح لها اللحاق بالركب الحضاري السائر بوتائر عالية، وذلك عبر المواءمة بين الدين، كحاجة روحية، من جهة، وبين العلمانية، كحاجة حضارية، من جهة أخرى.
لعل الإشكالية الرئيسة في مسألة العلمانية تتمثل في أن المعارضين لها ينظرون إليها على أنها مفهوم مستورد من الغرب، والتالي فهي غير قابلة للتطبيق في مجتمعاتنا التي تتمتع بخصوصيات وإشكاليات وأسئلة تختلف عن تلك التي ظهرت في الغرب وحتمت ظهور مثل هذا المبدأ الذي يطالب، أساسا، بـ «فصل الدين عن الدولة»، وهنا يرد الباحث السوري وائل السواح «يفرض علينا المنطق السليم أن نعتبر المنجزات العلمية والحضارية التي أنجزها الغرب منذ عصر النهضة رزمة متكاملة، لا يمكن أن نكون انتقائيين حيالها».
والقصد من هذا الكلام هو «بما أننا نقبل بمفاهيم مثل الديمقراطية والعقلانية والمواطنة ونستخدم الإنترنت والكمبيوتر والسيارة والطائرة. وسواها، وهي كلها منجزات غربية، فلماذا نحارب العلمانية فقط بحجة أنها بدعة غربية، ويضيف السواح: «فإما أن نقبل هذه المنجزات جميعا وإما أن ننسجم مع أنفسنا ونرفضها جميعا، إذا كان المأخذ عليها غربيتها».
والطريف أن السواح يضيف هنا بان «حركة طالبان كانت أكثر انسجاما مع نفسها عندما رفضت الرزمة ككل تقريبا، فألغت المدارس، وألزمت النساء في البيوت، وألغت التلفزيون والسينما والمسرح والرسم والنحت والموسيقى، وعادت إلى نظام الكتاتيب».
الإشكالية الأخرى الهامة التي يتذرع بها خصوم العلمانية تتمثل في أن «العلمانية مطلب من مطالب الأقليات الدينية والطائفية في هذا المشرق»، ذلك أن العلمانية رأت النور في الغرب لتقدم جوابا على إشكال هو من إفراز الغرب المسيحي حصرا: الصراع اللاهوتي والسياسي، الذي أخذ شكل حرب متوالية الحلقات دامت ثلاثين عاما بين الغالبية الكاثوليكية والأقلية البروتستانتية.
وهذا ما يشير إليه، مثلا، المفكر المصري حسن حنفي قائلاً: «قام العلمانيون في بلادنا منذ شبلي شميل ويعقوب صروف وفرح انطون ونقولا حداد وسلامة موسى ولويس عوض وغيرهم يدعون إلى العلمانية بهذا المعنى الغربي، فصل الدين عن الدولة.
والملاحظ أنهم كلهم كانوا من النصارى، وغالبيتهم من نصارى الشام الذين كان ولاؤهم الحضاري للغرب، ولا ينتسبون إلى الإسلام دينا ولا حضارة». المفكر السوري جورج طرابيشي يتصدى بجرأة لمثل هذه الأفكار إذ يشير إلى مفكرين آخرين لم يكونوا من النصارى، بل كانوا علمانيين مسلمين بارزين من أمثال الكواكبي وقاسم أمين وأحمد لطفي السيد وعلي عبد الرازق وطه حسين وغيرهم.
ويرى طرابيشي بأنه إلى جانب التعددية الدينية، ثمة تعددية طائفية إسلامية، ومن هذا المنظور فان «قضية العلمانية في العالم العربي ليست فقط قضية مسيحية ـ إسلامية، كما يطيب لخصوم العلمانية تصويرها، بل هي أيضا، وربما أساسا، قضية إسلامية ـ إسلامية». ويستعرض طرابيشي تاريخ الصراع الطائفي الطويل في الإسلام وصولا إلى ما يجري في العراق اليوم من اقتتال طائفي، معتبرا أن العلمانية هي الحل.
لكن «لا يجوز النظر إليها كأيديولوجية خلاصية، فالعلمانية ليست ثمرة برسم القطف بل بذرة برسم الزرع. والعلمانية لن يكتب لها النجاح في العالم الإسلامي ما لم تقترن بثورة في العقليات». عاطف عطية يتحدث في مداخلته عن العلمانية بين سلطة الدولة وسلطة الدين ويخلص في كلمته إلى القول «هذا الانتقال الهادئ والمتأني من التحالف بين السلطتين الدينية والسياسية إلى استقلال الواحدة منهما عن الأخرى في شؤون الحياة اليومية، يعطي للسياسة الانفتاح الكامل لكل ما يتعلق بشؤون الدنيا دون تجاهل أو تجاوز الأمور الأخلاقية والروحية.
ويعطي للدين الاهتمام بالمسائل الأخلاقية والروحية دون تجاهل أو تجاوز الأمور السياسية باعتبارها شؤونا دنيوية يمكن ممارستها، وليس باعتبارها تكليفا شرعيا أو دعوة للحكم الإلهي». أما فحوى محاضرة المطران يوحنا إبراهيم فيختزل في المقولة المعروفة: «أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله».
ويتحدث يرغن نلسون في محاضرته عن العلمانية والتحديات الجديدة، بينما يقوم عزيز العظمة بجولة في أفق العلمانية وشأن الحضارة، في حين يقدم محمد حبش رؤية إسلامية للعلمانية، ويكمل جودت السعيد هذا المحور بالحديث عن العلمانية والدين في العالم وفي التاريخ. المفكر جان دايه يتحدث عن علمانيي بلاد الشام المسلمين في عصر النهضة، في حين يقدم إبراهيم الموسوي قراءة للعلمانية في الخطاب الإسلامي، وتحت عنوان «الوعي الشقي» يكتب محمد كامل الخطيب «لا أحد يستطيع التخلي عن منجزات هذا الغرب الآخر الملعون» فلنتمتع بها، وبما سخر لنا، ولنلعن صاحب هذه الأشياء المفيدة».
هذه المداخلات والنقاشات سعت إلى الإحاطة بمفهوم لم يزل يثير الكثير من الجدل في العالم العربي والإسلامي، فالعلمانية، كمفهوم وكمصطلح، لم تأخذ حقها من النقاش في الأدبيات العربية، ومن هنا فان كتابا من هذا النوع يسد جزءا من الفراغ الكبير، علاوة على ذلك فان المشاركين في المؤتمر، وكما يتبين من المحاضرات، لم يثقلوا مداخلاتهم بمصطلحات ومفاهيم معقدة بل أن لغتهم جاءت سهلة بسيطة لكي تتناسب مع طبيعة مؤتمر يحضره الجمهور من جميع الشرائح والمستويات الثقافية، ولابد كذلك من الإشارة إلى وجهات النظر المختلفة والمتباينة.
ومثل هذا الاختلاف هو الكفيل بإغناء الموضوع، إذ تتداخل الأصوات وتتكامل وتتخاصم وتتصارع. ولكنها، في نهاية المطاف، تطمح إلى تقديم صورة وافية عن مصطلح العلمانية التي تثير الكثير من النقاش مثلها مثل مفاهيم الديمقراطية والعقلانية والمواطنة وحقوق الإنسان والعولمة، وسواها.
ابراهيم حاج عبدي