Read Anywhere and on Any Device!

Subscribe to Read | $0.00

Join today and start reading your favorite books for Free!

Read Anywhere and on Any Device!

  • Download on iOS
  • Download on Android
  • Download on iOS

الشريعة والسلطة في العالم الاسلامي

الشريعة والسلطة في العالم الاسلامي

Sami Zubaida
0/5 ( ratings)
تتزايد الأصوات المطالبة بإعتماد الشريعة كنظام، بيد أنّ لهذه المطالبات وجوهاً وغايات متعددة؛ فالمعارضون ذوو النزعة الاجتماعية يلتمسون من أحكام الشريعة عدالةً تقيهم عَسَفِ الأنظمة الفاسدة، ورجال الدين يتطلَّعون إلى استعادة سلطتهم من خلال فرض الشريعة، والمحافظون يبتغون المزايا البطركية من أحكامها، والقوميون يعتبرونها مَعْلماً للأصالة والهوية، أما هؤلاء الحكام أنفسهم فيتبنونها التماساً للشرعية. إنها، في الواقع، مشروع أيديولوجي له تجليات شديدة التغيُّر على صعيد الميول السياسية والنظم القانونية في مختلف البلدان، وهذا ما نحن بصدد دراسته لاحقاً.
يحدِّد هذا الكتاب تاريخية الخطاب والممارسة في الشريعة الإسلامية، ومسارات التطوُّر والتغيُّر في سياقات تاريخية مختلفة. وعلى الرغم من إخلاص الفقهاء الدائم لفكرة المصادر المقدسة للشريعة، لكنهم غالباً ما كانوا يُبدون مرونة في تكييف الصيغ المستنبطة بما ينسجم مع مستلزمات مجتمعاتهم المعاصرة وكذلك الأحداث الطارئة للسلطة. كما أظهرت الشريعة بالفعل تنوُّعاً ملحوظاً في الزمان والمكان، الأمر الذي يتعارض مع فكرة الإصرار على وحدتها وأبديتها. هذا الكتاب ليس تاريخاً في حد ذاته، لكنه ينقِّب في التاريخ عن أحداث هامة توضِّح نشوء الشريعة وتطورها في سياق علاقات السلطة والنزاعات والتسويات بين الأطراف الرئيسية الفاعلة؛ أي الحكَّام والفقهاء والعلماء والمشرِّعين وحماة الشريعة.
غالباًَ ما يجري الافتراض بأن المجتمعات والحكومات الإسلامية كانت تاريخياً تطبق الشريعة، وترتبط بعلاقة حميمة مع مؤسسة الخلافة ونظام الحكم الإسلامي. ويعتقد أن هذه العلاقة الوثيقة قد قطعت من جراء الهيمنة الاستعمارية التي مارستها القوى الغربية على معظم العالم الإسلامي، وما نجم عن هذه الهيمنة من ضغوطات لتبني النماذج الأوروبية في الحكم والقانون. وبالتالي فإن التدخل الأجنبي هو المسؤول عن تعطيل الصلة بين المسلمين وشريعتهم. وبناء على ذلك، كان الهدف الأساسي لدى العديد من الحركات الإسلامية، وبعض الحركات القومية، هو إعادة الاعتبار للشريعة بوصفها قانون المسلمين. بالنسبة للبعض كانت هذه الخطوة في الأساس أحد مظاهر التقوى: واجبهم في تسيير شؤونهم بما يتفق مع التكليف الإلهي، في حين تركز الهدف الأوسع على استعادة ما كان يعتبر صحيحاً وملائماً .وبحسب وجهة نظر الإسلاميين! فإن القانون هو العمود الفقري للمجتمع والحكومة، ولا بد لكل مجتمع من أن تسوسه قوانين منبثقة من تاريخه وثقافته. أما أن يحكم المرء بقوانين غريبة عنه، فيعني أنه فقد هويته وإنساق وراء وعي ذاتي مزيف.
إذن، فالكتاب يستهدف هذه القضايا من خلال السعي إلى توضيح مفاهيم القانون ومؤسساته في المجتمعات الإسلامية تاريخياً، والمكانة التي احتلها الدين والشريعة في هذه المجتمعات. كما أنه يستعرض المعطيات التاريخية المتعلقة بتطور المفاهيم والمؤسسات القانونية، مع إيلاء اهتمام خاص للعلاقة بين السلطة السياسية والمرجعية الدينية، أي بين الخلفاء والسلاطين من جهة والعلماء والفقهاء من جهة أخرى. إنه يتعقب تطور مختلف عناصر القانون في علاقتها مع أنماط المجتمع والسلطة، والتركيز بشكل خاص على التاريخ العثماني. ثم ينتقل بعدئذ إلى فترة الإصلاح الحديثة، والحداثة السياسية والقانونية، وتأسيس الدولة- الأمة. فقد عاش القانون تحولاً في ظل الأنظمة الحديثة، أي أن ما ترتكز عليه الشريعة من دوائر دينية ومؤسسات وخطابات قد شهد انزياحاً لصالح تنظيم القانون ودولنته تحت سلطة الدولة. وحتى مع الاحتفاظ بالشريعة أو ببعض عناصرها، فقد حدث التغير في طبيعتها بحكم انفصالها عن مرتكزها الديني وتحولها إلى قانون دولة، وخضوعها للتشريع والتعديل على يد أجهزة الدولة. وفي حين أن الكثير من هذه التطورات قد حدثت بضبط من قوى أوروبية مهيمنة منذ القرن التاسع عشر، كانت في الوقت نفسه منسجمة مع مقتضيات التطورات الحديثة للاقتصاد والمجتمع التي باتت مندمجة في السوق الرأسمالي العالمي.
Language
Arabic
Pages
404
Format
Hardcover
Release
January 17, 2003

الشريعة والسلطة في العالم الاسلامي

Sami Zubaida
0/5 ( ratings)
تتزايد الأصوات المطالبة بإعتماد الشريعة كنظام، بيد أنّ لهذه المطالبات وجوهاً وغايات متعددة؛ فالمعارضون ذوو النزعة الاجتماعية يلتمسون من أحكام الشريعة عدالةً تقيهم عَسَفِ الأنظمة الفاسدة، ورجال الدين يتطلَّعون إلى استعادة سلطتهم من خلال فرض الشريعة، والمحافظون يبتغون المزايا البطركية من أحكامها، والقوميون يعتبرونها مَعْلماً للأصالة والهوية، أما هؤلاء الحكام أنفسهم فيتبنونها التماساً للشرعية. إنها، في الواقع، مشروع أيديولوجي له تجليات شديدة التغيُّر على صعيد الميول السياسية والنظم القانونية في مختلف البلدان، وهذا ما نحن بصدد دراسته لاحقاً.
يحدِّد هذا الكتاب تاريخية الخطاب والممارسة في الشريعة الإسلامية، ومسارات التطوُّر والتغيُّر في سياقات تاريخية مختلفة. وعلى الرغم من إخلاص الفقهاء الدائم لفكرة المصادر المقدسة للشريعة، لكنهم غالباً ما كانوا يُبدون مرونة في تكييف الصيغ المستنبطة بما ينسجم مع مستلزمات مجتمعاتهم المعاصرة وكذلك الأحداث الطارئة للسلطة. كما أظهرت الشريعة بالفعل تنوُّعاً ملحوظاً في الزمان والمكان، الأمر الذي يتعارض مع فكرة الإصرار على وحدتها وأبديتها. هذا الكتاب ليس تاريخاً في حد ذاته، لكنه ينقِّب في التاريخ عن أحداث هامة توضِّح نشوء الشريعة وتطورها في سياق علاقات السلطة والنزاعات والتسويات بين الأطراف الرئيسية الفاعلة؛ أي الحكَّام والفقهاء والعلماء والمشرِّعين وحماة الشريعة.
غالباًَ ما يجري الافتراض بأن المجتمعات والحكومات الإسلامية كانت تاريخياً تطبق الشريعة، وترتبط بعلاقة حميمة مع مؤسسة الخلافة ونظام الحكم الإسلامي. ويعتقد أن هذه العلاقة الوثيقة قد قطعت من جراء الهيمنة الاستعمارية التي مارستها القوى الغربية على معظم العالم الإسلامي، وما نجم عن هذه الهيمنة من ضغوطات لتبني النماذج الأوروبية في الحكم والقانون. وبالتالي فإن التدخل الأجنبي هو المسؤول عن تعطيل الصلة بين المسلمين وشريعتهم. وبناء على ذلك، كان الهدف الأساسي لدى العديد من الحركات الإسلامية، وبعض الحركات القومية، هو إعادة الاعتبار للشريعة بوصفها قانون المسلمين. بالنسبة للبعض كانت هذه الخطوة في الأساس أحد مظاهر التقوى: واجبهم في تسيير شؤونهم بما يتفق مع التكليف الإلهي، في حين تركز الهدف الأوسع على استعادة ما كان يعتبر صحيحاً وملائماً .وبحسب وجهة نظر الإسلاميين! فإن القانون هو العمود الفقري للمجتمع والحكومة، ولا بد لكل مجتمع من أن تسوسه قوانين منبثقة من تاريخه وثقافته. أما أن يحكم المرء بقوانين غريبة عنه، فيعني أنه فقد هويته وإنساق وراء وعي ذاتي مزيف.
إذن، فالكتاب يستهدف هذه القضايا من خلال السعي إلى توضيح مفاهيم القانون ومؤسساته في المجتمعات الإسلامية تاريخياً، والمكانة التي احتلها الدين والشريعة في هذه المجتمعات. كما أنه يستعرض المعطيات التاريخية المتعلقة بتطور المفاهيم والمؤسسات القانونية، مع إيلاء اهتمام خاص للعلاقة بين السلطة السياسية والمرجعية الدينية، أي بين الخلفاء والسلاطين من جهة والعلماء والفقهاء من جهة أخرى. إنه يتعقب تطور مختلف عناصر القانون في علاقتها مع أنماط المجتمع والسلطة، والتركيز بشكل خاص على التاريخ العثماني. ثم ينتقل بعدئذ إلى فترة الإصلاح الحديثة، والحداثة السياسية والقانونية، وتأسيس الدولة- الأمة. فقد عاش القانون تحولاً في ظل الأنظمة الحديثة، أي أن ما ترتكز عليه الشريعة من دوائر دينية ومؤسسات وخطابات قد شهد انزياحاً لصالح تنظيم القانون ودولنته تحت سلطة الدولة. وحتى مع الاحتفاظ بالشريعة أو ببعض عناصرها، فقد حدث التغير في طبيعتها بحكم انفصالها عن مرتكزها الديني وتحولها إلى قانون دولة، وخضوعها للتشريع والتعديل على يد أجهزة الدولة. وفي حين أن الكثير من هذه التطورات قد حدثت بضبط من قوى أوروبية مهيمنة منذ القرن التاسع عشر، كانت في الوقت نفسه منسجمة مع مقتضيات التطورات الحديثة للاقتصاد والمجتمع التي باتت مندمجة في السوق الرأسمالي العالمي.
Language
Arabic
Pages
404
Format
Hardcover
Release
January 17, 2003

Rate this book!

Write a review?

loader